( الخطية بين المنطق والواقع )
نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس
أسقف عام المنيا وأبو قرقاص
"
لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل" (رومية 7: 19)
كلنا يعرف أن الخطية خاطئة جداً، وأنها إساءة إلى الله وإلى الذات وإلى الآخر، وأنها لا تشبع ولا تروي إلا مؤقتاً، لأن "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً" (يوحنا4: 13). ولكننا مع ذلك نخطئ، مثل اللص اللذي يسرق ويعاقب ويتوب، ولكنه سريعاً ما يعاود السرقة، مع أنه قد حفظ السيناريو جيداً. ونحن في لحظات الصدق نبكي ونتوب ونقرر عدم العودة إلى ذات الآبار المشققة التي لا تضبط ماء (إرميا 2: 13) ولكننا وحالما نتواجه مع الخطية يبطل كل منطق ويسكت صوت الضمير وتتوارى الإرادة.
ونحن في مواجهة الخطية يذكرنا الشيطان بالذين سقطوا ثم تابوا، متحدثاً عن الرجاء والضعف البشري وشدة الاغراء، يذكرنا بالآباء الذين كانت لهم ضعفات (مثل ابراهيم الذي كذب، ونوح الذي سكر، وأيوب الذي شك، وداود الذي زنى وقتل، وسليمان الذي مال قلبه إلى الأوثان والنساء، ثم السائح الذي ُهزم من فكر الشهوة .... وغيرهم) وهكذا تتبدل الموازين وتتفكك القوانين ويتوارى الحق وتبهت الحقائق ويقع الانسان، ولا يكتفي الشيطان بذلك ولكنه حالما يسقط الشخص "يبشره" بالهلاك الأبدي الذي ينتظر الخطاة، والعقاب المستحق للعصاة، مورداً وبنفس الكيفية أمثلة للهالكين (مثل قايين القاتل وعخان السارق وشاول العاصي وآخاب المغتصب ويهوذا الخائن وحنانيا وسفيره الكاذبان).
داود النبي والذي تمتلئ مزاميره بالدعوة إلى اليقظة وضبط النفس والتحذير من الانحراف والشر والشرير، لدرجة أن الرب نفسه شهد له بأن "قلبه حسب قلبي"، وسليمان الذي رسم لنا مسيرة بالحكمة من خلال سفري الأمثال والحكمة، وسلمنا كيف نسلك، ونال أعظم وأرقى الألقاب: "الحكيم" هو نفسه الذي ولّى ظهره تماماً لكل علم وتحذير وسقط في مسستنقع من الخطايا السمجة، لولا أن تداركته مراحم الرب وقدم توبة قوية عبر عنها من خلال سفر الجامعة.
إنها مشكلة الكثير من المصلحين والمدرسين والمربين والخدام، فبينما يكون دوره هو الإرشاد والتعليم.. هو نفسه يتهاوى أمام الأغراء. من هنا فإن الخاطئ مستعد في أكثر الأحوال لأن يعظ الآخرين ويبين لهم مضار الخطية وخطورتها، وهو لبق صاحب حجة ومنطق، وعند الجدل العقلي هو لاهوتي وفيلسوف، قوي الحجة مقنع بسهولة ويسر، بينما في الواقع العملي هو: خاطئ كبير!!. تماماً مثل الأب الذي يحذر ابنه من التدخين ومضاره وفي نهاية الحديث يشعل سيجارة، أو يرسله لشرائها!!
والسبب في هذه الازدواجية إما أن الإنسان يشفق على نفسه، وإمّا أنه يناور حول ما له وما عليه، وإما أنه يتحدى الوصية بغباء معلناً العصيان، وإما أنه يغيّب العقل، أو أن يبيع القضية برمّتها.. من هنا يقول الآباء: "كلنا يعرف كيف يخلص ولكننا لا نريد أن نخلص".
إن العطف على الذات وإلصاق أسباب السقوط بالله والطبيعة والغريزة وسواد الشر(انتشاره) هذه كلها في الواقع هروب من الواقع، فالله أعطانا الغرائز ولكنه وهبنا معها سبل استثمارها وضبطها، وسمح بوجود الشر ولكنه حذّر منه ونبهنا إلى نتائج العصيان، فمن جهة وهب لنا الحرية ومن الجهة الأخرى حذر من نتائج سوء استخدامها، فإذا صوّر الضمير للخاطئ أن الله حنون بطبيعته وأنه لن يهلكه، فإنه بذلك يتجاهل صفة أخرى في الله وهي عدله.
قيل أن ملحداً سخر يوماً من مؤمن قائلاً: "ومن أدراك فقد تفاجأ بعد الموت بأنه ليس هناك إله ولا دينونة ولا ملكوت، وبذلك تكون قد أضعت حياتك عبثاُ وضبطت نفسك مجاناً، فأجاب المؤمن: حسنُُ ولكن من أدراك أنت الآخر فقد تفاجأ بعد موتك أن هناك إله ودينونة وعذاب!! ماذا ستفعل حينئذ؟! ومع ذلك - وتماشياً مع ادعائك- فأنا سعيد بحياتي وبضبط نفسي.
إن المرتشي والغشاش والكسول والمنحرف، جميعهم يعرفون جيداً أنهم مخطئون أو مقبلون على خطية، ومع ذلك يخطئون أو يستمرون في الخطية، بل وحتى قايين الذي حذّره الرب بنفسه "عند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها" (تكوين 4 : 7) لم يسمع قايين وسقط في المخالفة.
الخاطئ مقتنع ومع ذلك يضعف، يعرف جيداً مصادر الخطية ومع ذلك يذهب إليها أو يدعها تعبر إليه، أو يميل إلى التغاضي. وفي هذا قد تكون قناعته عقلية فقط مبنية على الأعراق والتقاليد وليس عل أسس كتابية أو مخافة الرب، وبالتالي يمكن التحلل منها! وحتى إذا جاهد فهل جهاده قانوني أم أنه يسلك بتراخِِ أم لا يقاوم ولا يجاهد أصلاً ؟ وإذا استند البعض - في تبريره لسقوطه - على الضعف البشري فإننا يجب أن نفرق بين أن يضعف الانسان أحيانا أو أن يتحول الضعف إلى صفة فيه، وهذا يثير المخاوف.. وقد يستكين ضميره مع الوقت. وقد يرى أن الوقت مبكر للتحوّل إلى التوبة، فيؤجل توبتة إلى سن آخر أو عند الشيخوخة!! ..وإذا قيل له أن "باطل الأباطيل .. الكل باطل" (جامعة 12: 8) اعتبر ذلك نوع من الجنوح والزهد -غير المبرر- في الحياة..
ومع ذلك وعند النقاش الهادئ هو مقتنع.. فهل من المقبول أن يكون للإنسان قلب فيه ازدواج أو انقسام من الداخل، فيتأرجح بين القناعة العقلية والسلوك الخاطئ، حتى تقع الكارثة عندما ينطلق الصوت الصارخ "هوذا العريس قد أقبل" (متى 25: 12) حينئذ ُيفاجأ بالحقيقة المطلقة أمام الديان العادل.
فهل من المقبول أن يكون للانسان منطق سليم وواقع مؤسف!!
الأربعاء 14 نوفمبر 2012, 10:53 am من طرف jesus light
» النسخة النهائية من الاوفيس المنتظر Microsoft Office Professional Plus 2013 15.0.4420.1017 Final
الأربعاء 07 نوفمبر 2012, 10:32 am من طرف jesus light
» قداس القرعة الهيكلية من الكاتدرائية المرقسية
الإثنين 05 نوفمبر 2012, 11:39 pm من طرف jesus light
» قداس القرعة الهيكلية من الكاتدرائية المرقسية
الإثنين 05 نوفمبر 2012, 11:37 pm من طرف jesus light
» سلسلة حلقات المغامرون الصغار 13 حلقه كامله
الأحد 07 أكتوبر 2012, 4:23 pm من طرف jesus light
» AutoPlay Media Studio 8.0.7.0►●• الإصــداآار الأخــير مع السريال
الأحد 23 سبتمبر 2012, 11:42 am من طرف jesus light
» فيلم القداس التعليمى - ابونا دواود لمعى - للاطفال
الأربعاء 19 سبتمبر 2012, 1:46 pm من طرف jesus light
» موسوعة تفسير الكنسية الارثوذوكسية كل العهد الجديد، وبعض أسفار العهد القديم
الإثنين 10 سبتمبر 2012, 9:08 am من طرف jesus light
» كتاب الدسقولية - تعاليم الرسل تعريب القمص : مرقس داؤود
الإثنين 10 سبتمبر 2012, 9:05 am من طرف jesus light